محاضرة د. محمد صباح السالم الصباح في المؤتمر العالمي الأول، الذي نظمته مؤسسة الكويت لتقدم العلوم بالتعاون مع المدرسة اللندنية للاقتصاد والعلوم السياسية
الأربعاء، 26 مارس 2009
فندق شيراتون – الكويت
سيداتي وسادتي، مساء الخير.
هذا المؤتمر يذكرني بمحاضرة قدمتها في بروكسل قبل عام خلال مشاركتي في مؤتمر مع وزراء خارجية دول الخليج والاتحاد الأوروبي، حيث قدمت نظرة على دبلوماسية الكويت بعد تحريرها. وفيما يتعلق بهذا الموضوع، لا بد لي من ذكر أهمية عمل الدكتور حسن الإبراهيم في هذا المجال.
خلال التسعينيات حتى سقوط صدام حسين عن السلطة، اتخذت دبلوماسية الكويت شكل الدبلوماسية الوقائية بسبب التهديدات التي تواجه أمن الكويت من نظام صدام حسين. بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 وتوقف طبيعة هذه التهديدات، انتقلت دبلوماسية الكويت إلى دبلوماسية جيواقتصادية، أو دبلوماسية اقتصادية.
لقد كانت الكويت تخطط لتبني هذا النوع من الدبلوماسية الاقتصادية على عدة مستويات. هناك فكرة إحياء طريق الحرير القديم الذي يشمل الكويت من خلال إنشاء مدينة الحرير التي ستكون نقطة تواصل تربط آسيا الوسطى بأوروبا وربط دول الخليج بالعراق. هذه الفكرة متماشية مع تحويل الكويت إلى مركز تجاري وتجاري، ويسعدني أن يكون معنا الرجل وراء هذه الفكرة، الدكتور يوسف الإبراهيم.
قد يقول البعض أن الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم في عام 2008 ليست سوى فقاعة مالية مثل العديد من الفقاعات المالية عبر التاريخ. حتى إسحاق نيوتن نفسه، لم يكن آمنًا من هذه الفقاعات المالية، حيث خسر جزءًا من ثروته من خلال أسهمه في شركة البحر الجنوبي.
مشكلتنا هي التالية: من سيقنع الاقتصاديين بأن "اليد الخفية" لآدم سميث لم تعد صالحة لعصرنا؟
الأسبوع القادم، سيجتمع قادة مجموعة العشرين في عاصمتك، لندن، وسيتم مناقشة مختلف القضايا، وأهم ثلاث قضايا ستتم مناقشتها هي: القضية الأولى هي تحفيز الاقتصاد العالمي من خلال الإجابة على الأسئلة "كم سيكلف؟" و"لمدة كم؟" ما يهمنا هو معرفة مدة خطط التحفيز هذه ونسبة الناتج المحلي الإجمالي التي ستكلف البلدان. إذا أخذنا على سبيل المثال التباين الكبير بين الاقتصاديين، سنجد أن هناك من يعتقد أن 2% كافية بينما هناك آخرون يعتقدون أنه ينبغي أن تكون بنسبة 12%، مثل بول كروغمان. على الرغم من وجود هذه الخلافات، فإن الجميع يشترك في الخوف من وقوع انفجار غير مسبوق لديون العالم سيؤثر على الأجيال القادمة.
القضية الثانية هي دور الحكومة. نتحدث عن دور الحكومة في الاقتصاد بعدما رأى الاقتصاديون تقييد دورها بسبب تطور الاقتصاد العالمي. "دور الحكومة" أصبح جزءًا من لغة الاقتصاديين هذه الأيام! يبدو أن العالم لن يسمح بعد الآن بسيطرة الأسواق الاقتصادية على الأسواق العالمية. قد يكون من الضروري تذكيرنا بما قاله رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق في الولايات المتحدة، آلان غرينسبان، وأنا أقتبس، "لقد أخطأت في الافتراض بأن المصلحة الذاتية للمؤسسات، وتحديدًا البنوك والآخرين، كانت بمثل هذه الطريقة التي كانت أكثر قدرة على حماية مساهميها."
بالإضافة إلى ذلك، تحولت اتجاهات الاقتصاد العالمي من إدارة المخاطر إلى التغلب عليها. لعبت عدة عوامل دورًا في تفاقم هذه المخاطر؛ ربما كان أهمها العقود الاشتقاقية التي يصفها وورن بوفيه بأنها أسلحة مالية للدمار الشامل.
القضية الثالثة هي إصلاح المؤسسات الهيكلية لبريتون وودز، ونرى جاك ستيجليتز، أستاذ الاقتصاد، يدعو إلى إنشاء مؤسسات مالية موازية لتلك المؤسسات في بريتون وودز حيث يتخصص عملها نحو الدول النامية. هناك أيضًا فكرة من قبل الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز الذي دعا إلى إنشاء عملة احتياطية عالمية مشتركة، "بانكور". هذه هي الفكرة المقترحة حاليًا للتعامل مع عجز الدولار الأمريكي المزمن. بالإضافة إلى ذلك، هناك فكرة اقترحها البروفيسور جيمس توبين من جامعة ييل، تُعرف بـ "ضريبة توبين" التي تدعو إلى فرض ضرائب على المعاملات الدولية من أجل توفير المزيد من الأموال لمؤسسات بريتون وودز.
هناك من يطالب دول أوبك بتحمل المزيد من الأعباء مما هي عليه بالفعل، وفي هذه النقطة أنا على استعداد لتقديم ما قامت به الكويت في مجالات التنمية والاقتصاد.
نحن ندرس حاليًا في الكويت خطة التحفيز، في حين نكون في الوقت نفسه لاعبًا عالميًا في مجال التنمية. بينما يعد أحد أهداف التنمية للألفية هو أن تخصص الدول المتقدمة 0.7% من ناتجها المحلي الإجمالي للتنمية، فقد قامت الكويت بتخصيص 2% من ناتجها المحلي الإجمالي، تقريبًا ثلاث مرات أكثر مما هو مطلوب. وعلاوة على ذلك، فإن نشاط صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية هو شهادة على ذلك، حيث قدم منذ تأسيسه 15 مليار دولار للدول النامية في شكل قروض ومساعدات فنية. أيضًا، قامت حكومة دولة الكويت بتخصيص 300 مليون دولار لمكافحة الفقر في أفريقيا، و100 مليون دولار لمكافحة الجوع في الدول النامية.
أختم خطابي بنقل اقتباس من الشهير جون مينارد كينز، "الصعوبة تكمن، ليست في الأفكار الجديدة، بل في الهروب من القديمة."
شكرًا لكم