د. محمد صباح السالم الصباح

دينامكية التحدي الامني: منظور خليجي

 

حوار المنامة 2009

 

أصحاب السمو والمعالي والسعادة ،،،
السيدات والسادة الكرام ،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
 
بدايةً، يسعدني أن أتقدم بعظيم الشكر والإمتنان إلى مملكة البحرين الشقيقة لإستضافتها ورعايتها الكريمة فعاليات حوار المنامة السادس، متقدماً بخالص الإمتنان للدكتور جون تشبمان مدير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية لتكريمي بإلقاء الكلمة الإفتتاحية للمؤتمر.
وأود أن أنتهز هذه المناسبة للإشادة بالجهد المثمر الإيجابي والملموس الذي يقوم به المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية وجميع القائمين عليه لإنجاح هذه الفعالية المهمة التي أصبحت مقصداً لكل المهتمين بأمن وإستقرار المنطقة، بما توفره من مساحة لبحث الآراء وطرح الأفكار بحريةٍ وقناعة ذاتية لا تقيّدنا فيها سوى المواقف الأخلاقية في طرح رؤانا الهادفة إلى تحقيق الأمن والأمان الذي تطمح إليه شعوبنا.
 
الحضور الكريم،،،
 
* الحديث عن الدينامكيه تعني الحديث عن ابعاد زمنيه مختلفه لمفهوم متحرك.
* فهناك تحدي قائم وماثل clear and present والتعامل معه حتمي و فوري
* وهناك تحديات على المدى المتوسط و البعيد تحتاج معالجات و تحوطات هادئه ودقيقه
* ومن هنا يمكن القول ان مفهوم أمن الخليج يتشكل في ابعاده الزمنية الثلاث: الاني والمتوسط والبعيد، ويأخذ شكل تحديات أمنية/سياسية واقتصادية وديموغرافية.
 
أولا: التحديات الأمنية والسياسية

إذا دققنا في واقع خريطة الإقليم المجاور لهذه الجزيرة الوديعة، فإننا، بلا شك، سنرصد أحداثا لا تسعدنا، ولا تسهم في استقرار منطقتنا، ابتداء من حرب أفغانستان وما جاورها في باكستان ، مرورا بالمواجهة الإيرانية مع الشرعية الدولية ، وصولا إلى واقع فلسطين وما يعانيه  الشعب الفلسطيني من قمع وإنكار لحقه في دولة مستقلة ، نزولا إلى القرن الافريقي متجولين نحو ازمة اليمن وما يشكله من تهديد لأمن دول مجلس التعاون ، وهنا لا سبيل لنا في دول المجلس إلا أن تتحد الجهود من أجل تطويق هذه المخاطر القائمه والماثلة على امننا الوطني. وقد انتهجنا جميعا ، في دول مجلس التعاون ، وحتى قيام المجلس ، دبلوماسية وقائية preventive diplomacy  تتميز بالشفافية وبالحيوية التي تدفعنا إلى التعامل مع بقع التوتر بأسلوب ورثناه منذ زمن له فعاليته وخصائصه الخليجية الفريدة ،ويتميز هذا الأسلوب بما يلي :
 
(1): سلامة النوايا التي تحملها الدبلوماسية الخليجية فليس لها طمع في أرض، ولا أغراض تهضم حق الآخرين فواقعها شفافية ساطعة، وأهدافها التفاهم والتعايش وحسن الجوار وإقامة علاقة متينة وفق مبدأ تبادلية المصالح وتحقيق المنافع للجميع.
و الدبلوماسية الخليجية هي نظام ملتزم بقواعد حسن السلوك والاعتراف بحقوق الآخرين، وجوهره، حل القضايا بالتفاهم وإزالة التوترات بالحوار الصريح، وتكثيف التواصل دون ضجر أو يأس.
 
 
(2): تدرك الدبلوماسية الخليجية مخاطر توظيف الايدولوجيا في العلاقات بين الدول، وتؤمن بأن تسخير الدبلوماسية لتحقيق أطماع إقليمية وتوسعات ترابية على حساب الآخرين يؤدي إلى اضطراب منظومة التفاهم الإقليمي ويدخل الشك بين الجيران ويخلق التوجس والخوف من الابتزاز ، وإذا كانت دبلوماسية التوسع مدمرة ، فلا تقل دبلوماسية تهييج شعوب الجيران عنها تدميرا ، خاصة إذا ما ارتبطت بالدعوة للتمرد على أنظمتها وتحدي حكوماتها أو الانقلاب على واقعها.
ولقد واصلت دول مجلس التعاون حواراتها مع الجيران ومع الآخرين من أجل تنبي دبلوماسية إقليمية جماعية خالية من مسببات التوتر ومن مضار الأيدلوجيات ، ومن أجل التوصل إلى صيغ مشتركة منسجمة مع القانون الدولي ومع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومع ضوابط السلوك بين الأمم.
 
(3): تدرك الدبلوماسية الخليجية عمق الموقع الإستراتيجي الذي تحتله دول المجلس في منظومة العلاقات الدولية والذي استقوى مع تثبيت الترابط بين دول المجلس وبين الأسرة العالمية والمبني على فهم واعي لدور المنطقة في البناء الاقتصادي العالمي وفي ازدهار التنمية في مختلف المجتمعات .
ومن هذا المنطلق تعاظمت مسؤولية دول المجلس في تأمين استقرار المنطقة وفي حماية ممراتها المائية وفي إتباع سلوك بناء و مسؤول في السياسات النفطية لاسيما في المعادلة بين الإنتاج وبين الأسعار يراعي حق المنتج وحاجة المستهلك .

وأهم ما نسعى إليه في سلوكنا في إطار دبلوماسية النفط هو ترسيخ ثقة العالم في مصداقيتنا وفي التزامنا بالنهوض بواجبنا نحو احتياجات المجتمع الدولي للطاقة .
 وبلا شك فإن الدبلوماسية الخليجية التي أشرت إليها حققت الكثير وأبرز ثمارها هو واقع الأمن والاستقرار الذي تعيش فيه دول مجلس التعاون ، رغم الطوق العاصف الذي يحيط بها، كما أمنت تلك الدبلوماسية لدول المجلس مكانة مميزة في سلم العلاقات بين أعضاء المجتمع الدولي . أنا أتحدث عن الدبلوماسية الخليجية ونحن بيننا محمد بن مبارك، احد واضعي أسس هذه الدبلوماسية الخليجية التي نفتخر بها جميعاً.                       
 
ثانيا: التحديات الاقتصادية
 
أما التحدي الأمني على المدى المتوسط، فتبرز لنا التحديات الاقتصادية القائمة من خلال العناوين الرئيسة التالية:
 

  • الاعتمـاد شبه المطلق على مورد اقتصادي واحد ناضب وهو النفط.
  • عدم الاستقرار في المناخ الاقتصادي الدولي.
  • الانهيارات التي حدثت في أسواق رأس المال الدولية.
  • الاضطرابات في أسواق المواد الغذائية.
  • التقلبات الحادة في أسعار النفط.

هذه الصدمات الاقتصادية العالمية تلك تشكل تحديا استراتيجيا كبيرا في المدى المتوسط لدول مجلس التعاون ولابد من ان تتضافر جهودها من اجل مواجهة هذه التحديات والعمل على تحصين وحماية اقتصادياتها من تلك الانكشافات الاقتصادية.
 
ولمواجهة تلك التحديات فلا بد أن تسعى دول المجلس الى الاسراع في اقامة سوق خليجي موحد بجناحيه الاتحاد الجمركي، والاتحاد النقدي، من اجل ضمان خلق بيئة اقتصادية خليجية تستوعب الصدمات الخارجية بأقل الأضرار والتكاليف، وتوفر فرصا استثمارية لرأس المال الخليجي لتمكينه من بناء وحدات وهياكل اقتصادية تعزز من فرص العمل لمواطني دول المجلس ، والقمة الخليجية القادمة في الكويت مدعوة بشكل ملح للتركيز على هذا البعد والمضي في اعتماد خطط قصيرة ومتوسطة الأجل لتحقيق هذه الاستراتيجية.
 
 
ثالثا: التحديات الديموغرافية

وأخيرا، إذا كانت القلاقل والنزاعات السياسية تشكل أحد المعوقات الرئيسية للمضي في برامج التنمية فإن الجوانب الأخرى – من اقتصادية واجتماعية – قد لا تقل أهمية وتأثيرا على خطط التنمية في دول مجلس التعاون. فلو تمعنا في الواقع الديموغرافي لدول مجلس التعاون الست فسنعي حجم التحدي الذي يشكله هذا الواقع في المدى المتوسط و البعيد، فالاختلالات العميقة للتركيبة السكانية لجميع دول المجلس تدلل على حجم المخاطر السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها ، كما أن انشغالنا كسياسيين ومتخذي قرار عن هذه المشكلة الكبيرة قد أدى إلى تشعبها وتفاقمها، فللأسف الشديد لم تقم دولنا الخليجية بعد بوضع الخطط الكفيلة والناجعة  لمعالجة هذه الاختلالات، سواء على المستوى المنظور أو البعيد.
 
و أود هنا أن أعرض بعض المؤشرات التي تدل على حجم التحدي الديموغرافي التي نعيشها.
 
1-     من المتوقع أن يشهد مجلس التعاون أسرع معدل نمو سكاني في العالم, فحسب دراسة حديثة للايكونومست سيزداد عدد السكان بحلول عام2020 بنسبة 30% عما عليه الآن ليبلغ 53مليون نسمة, غالبيتهم العظمى تحت سن 25عاما. وبينما تتجه التركيبة العمرية للسكان في امريكا واوروبا الى وخة نجد أن الهيكل العمري للسكان في مجلس التعاون شابا حيث يشكل من هم بعمر اقل من15سنة نسبة 24% من مجمل السكان وهي اعلى نسبة مقارنة بأي مكان في العالم باستثناء افريقيا. هذا النمو السريع والصغر النسبي للسكان سيشكلان تحديا حقيقيا لقدرة دول المجلس على توفير فرص عمل لهؤلاء الشباب.

2-     وطبقا لتقرير أعده مصرف الإمارات الصناعي حول الخلل في أسواق العمل الخليجية والتي تتراجع فيها نسبة العاملين المواطنين مقارنة بالعاملين الأجانب << نسبة العمالة الوافدة الى مجموع القوى العامله: %90 في الامارات، %62 في البحرين، %65 في السعوديه، %65 في عمان، %86 في قطر، و %83 في الكويت>> ، فقد أظهرت الدراسة أن قيمة التحويلات الخارجية قد ارتفعت بنسبة31% في عام2008 لتبلغ 40مليار دولار أمريكي مقارنة بـ30.5 مليار في عام2007، ولكي نحيط أكثر بحجم هذه الظاهرة فقط نشير إلى أن دول مجلس التعاون تأتي في المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة في حجم التحويلات الخارجية – أي تحويلات العمالة الوافدة للخارج - حيث بلغت لدى الأخيرة (أي الولايات المتحدة) عام2008 ،47  مليار دولار، مقابل 40 مليار  من دول مجلس التعاون.

3-     تعاني دول المجلس من بروز ظاهرة الجيل الثاني من العمالة الوافدة، ونعني هنا المقيم الذي أنجب وكون حياة اجتماعية وانضم أولاده (الجيل الثاني) إلى سوق العمل، وهذا الجيل الذي لا يعرف موطنا آخر غير دول المجلس التي عمل وعاش فيها يشكل معضلة كبيرة في كيفية استيعابه ضمن الأنساق الاجتماعية الثقافية لمجتمعات دول مجلس التعاون.
 
وإذا كان التحدي الأمني منظورا وقائما وماثلا أمامنا كقضية البرنامج النووي الإيراني أو الحروب والنزاعات السياسية (العراق- افغانستان-اليمن) مرورا بمشاكل التطرف والإرهاب، أو إذا كانت التحديات الاقتصادية معلومة ومشخصة باعتبارها مشاكل آنية قائمة واخرى ذات بعدين قصير ومتوسط، فإن التحدي الديموغرافي هذا يعد تحديا إستراتيجيا على دول المجلس، يتطلب أمر مواجهته وعلاجه حكمة وروية وبعد نظر وسلسلة طويلة من الإجراءات الهادئة والتدريجية تنطوي على حوافز وحلول مبتكرة ومشاريع خلاقة، فمسألة الحفاظ على الهوية الخليجية والسلم الأهلي والتماسك المجتمعي والهوية الثقافية الخليجية مهم جدا في مسعانا الرامي إلى حل هذا الإشكال الديموغرافي.
 
السادة الحضور،،، ان التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون عديدة ومتشعبة، وإجمالها والدخول في جميع تفاصيلها يحتاج الى وقت أطول وجلسات أكثر، وأنا على ثقة بأن هذه المؤتمر و من خلال الندوات والحوارات التي ستعقد خلال اليومين القادمين سيتناول هذه المواضيع بتفاصيل أكثر وببحث أعمق. لذا حاولت في هذه المقدمة التركيز فقط على تلك التي وجدتها الاكثر الحاحا والاعمق أثرا،،،، لعلني وفقت فيما ذهبت اليه، شاكرا لكم سعة صدركم وحسن استماعكم.
 
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،

اتصل بنا

للتواصل معنا، يرجى ملء النموذج التالي
© جميع الحقوق محفوظة