رد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية د.محمد الصباح على مقالة الكاتب روبرت فيسك في صحيفة الاندبندنت البريطانية التي حملت عنوان «تركة حرب الخليج تلتهب مع ضغوط الكويت البخيلة على العراق».
وفيما يلي نص الترجمة العربية لرسالة د.محمد الصباح:
لقد قرأت مقالة السيد روبرت فيسك عن الكويت والتي حملت عنوان «تركة حرب الخليج تلتهب مع ضغوط الكويت البخيلة على العراق» ويجب أن أقر بخيبة أملي الكبيرة من محتويات المقالة التي يمكن وصفها في أفضل الأحوال بأنها عدائية، ولذلك من الضروري أن نورد بعض الملاحظات لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
إن أولئك الذين يعرفون الكويت حق المعرفة سيوافقون بالتأكيد على أن استخدام صفات مثل «بخيلة»، «قاسية»، «جشعة»، «سارقة»، «لصة» و«دنيئة» في وصف بلادي هي صفات بلا أساس أو سند.
إن من دواعي اعتزازنا وشرفنا في الكويت أن نكون في طليعة البلدان التي تقدم المساعدات الدولية لمساعدة البلدان الأقل حظا من خلال التبرعات والمنح العديدة المقدمة من حكومة الكويت، وكانت هذه ولا تزال حجر الزاوية في السياسة الخارجية للكويت منذ استقلالها.
دعوني أورد بعض الحقائق التي تبرز بعض هذه الجهود التي قمنا بها خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط:
حقيقة...جاء في تقرير أهداف التنمية الألفية للأمم المتحدة لعام 2005: «إن إجمالي متوسط مساعدات التنمية الرسمية الكويتية يشكل 1.31% من إجمالي الناتج المحلي وهذا يمثل نحو ضعف هدف الأمم المتحدة المتفق عليه والبالغ 0.7% من إجمالي الناتج المحلي للبلدان المتقدمة، في حين أن متوسط مساعدات دول منظمة التعاون والتنمية الأوروبية هو 0.46% من إجمالي الناتج المحلي، وهذا يبين أن سخاء الكويت يعادل 3 أضعاف معدله في معظم البلدان المتقدمة.
حقيقة...تم إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في عام 1961 ليكون وسيلة تقدم من خلالها حكومة الكويت المعونة والمساعدة، وقد قدمت الكويت العديد من المساعدات المالية والفنية لأكثر من 100 بلد في العالم وبإجمالي 14.5 مليار دولار.
حقيقة... كان من بين الجهود الأخيرة التي قامت بها الحكومة إنشاء «صندوق الحياة الكريمة» الذي ساهمت فيه الكويت بمبلغ 100 مليون دولار كصندوق طوارئ لمساعدة البلدان الأقل تطورا على مواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفضلا عن ذلك خصصت الكويت مبلغ 300 مليون دولار من أجل القضاء على الجوع والأوبئة في أفريقيا.
حقيقة...إضافة إلى ذلك دعا صاحب السمو الأمير صباح الأحمد إلى تشجيع ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في العالم العربي بإنشاء صندوق برأسمال 2 مليار دولار ساهمت فيه الكويت بمبلغ 500 مليون دولار لإطلاق الصندوق، ويجب أن نتذكر أن كل هذه المبادرات السخية اتخذت خلال أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة، إلا أن الكويت لم تغفل قط عن الصورة الكبيرة، وبقيت ملتزمة بالاستمرار في أداء دورها الدولي كمتصدرة لتقديم المعونات والمساعدات الأجنبية على الرغم من ظروف الاضطراب الاقتصادي الراهنة.
حقيقة....مدت الكويت يد المساعدة للبنان بمنحه 300 مليون دولار للمساعدة في جهود إعادة الإعمار بعد العدوان الإسرائيلي عام 2006
حقيقة...دعمت الكويت الفلسطينيين بتقديم مساعدة مالية بمبلغ 500 مليون دولار خصص 200 مليون منها لغزة.
أود أن أذكر الكاتب بأن «الحقائق أمور عنيدة» وما سبق ذكره يصعب تفسيره على انه سلوك دولة «بخيلة» على حد تعبيره.
وهذا يطرح السؤال: كيف يمكن بلوغ حد اتهام بلد كالكويت بأن لديها نوايا خبيثة كما يقول الكاتب؟ أود أن أؤكد لقرائكم أن الكويت لا تعيش أبدا على أمجادها ولن تتوقف عن المحافظة على موقعها العالمي المتقدم في مساعدة المحتاجين.
إنه لمن دواعي الاعتزاز أن أشير إلى انه ما من بلد آخر في المنطقة ضحى أكثر مما ضحت الكويت بمساهمتها في المهمة التاريخية المتمثلة في تحرير العراق وشعبه من نظام الطاغية صدام حسين.
ولا شك في أن المقالة تجاهلت أيضا مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للمحافظة على القانون والنظام الدوليين وهي حرمة قرارات مجلس الأمن.
ليس للدول أن تختار القرارات والمواد والبنود التي ترغب في تطبيقها وتلك التي تريد أن تتجاهلها، إن قرارات الأمم المتحدة ملزمة بطبيعتها ويجب على كل الأطراف التقيد بها.
إن العامل الأساسي بالنسبة للكويت في مسألة التعويضات هو مثلما كان دائما مسألة مبدئية ولم يكن ولن يكون أبدا مسألة نقود.
وانه لمن المحزن حقا أن يبدأ البعض بإضفاء مصداقية على اتهامات قديمة أثبتت الحقائق عدم صدقيتها، وأنا أشير هنا بشكل خاص إلى أكاذيب الطاغية السابق عن «سرقة» الكويت للنفط العراقي كمبرر لغزو بلد ذي سيادة، لقد حاولت المقالة بوقاحة تصوير طاغية قاس على انه ضحية بزعمها أن الكويت كانت «تسطو» على نفط العراق، هذه الروايات ليست فقط محاولة لإعادة كتابة التاريخ بل تدفعنا أيضا إلى التساؤل عن الدوافع وراء مثل هذا الطرح.
وينبغي أيضا أن نشيد بشكل خاص بالعراق وبشعبه الشقيق، فالعراق هو من دون شك واحد من أغنى بلدان العالم تراثا وحضارة وموارد طبيعية، ونحن في الكويت ملتزمون التزاما كاملا ببذل الجهود لإشاعة الاستقرار فيه وإعادة تأهيله لكي يتمكن من النهوض ليكون لاعبا محوريا في سلام وأمن المنطقة، وذلك انطلاقا من أولوية السعي إلى بناء علاقة نموذجية مع العراق قائمة على الاحترام المتبادل والنوايا الحسنة.
أخيرا وفي حين انه قد يكون صحيحا ان معاهدة ڤيرساي ساهمت في ظهور ادولف هتلر فإنني واثق من أن استراتيجية الاسترضاء في مؤتمر ميونيخ عام 1938 أفضت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وقد يكون من المفيد الرجوع إلى بعض كتب التاريخ.