دور الاستثمار في مواجهة مشكلة الفقر
منتدى الاقتصادي الإسلامي الدولي الرابع
29 أبريل 2008 - الكويت
أصحاب المعالي
حضرات السيدات والسادة
أود أولاً أن أعبر عن سروري بهذه الفرصة للمشاركة هذا المساء في الجلسة العامة حول الموضوع الهام المتعلق بمشكلة الفقر ، وبصورة خاصة الدور الذي يمكن أن يلعبه الاستثمار في مواجهة هذه المشكلة .
وحول الموضوع الذي نحن بصدد مناقشته هذا المساء أود أن أتناول النقاط التالية:
1- ملاحظة
يمثل الفقر ظاهرة تتباين في مستوياتها وحدتها من منطقة لأخرى وفي داخل البلدان التي تعاني من هذه المشكلة . كما أن استمرار انتشار الفقر يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق التنمية المستدامة ويمكن أن يهدد الأمن الإجتماعي والاستقرار السياسي في تلك البلدان .
ورغم الجهود الإنمائية المبذولة من قبل حكومات الدول النامية ، والمانحين ومؤسسات التنمية عبر العقود القليلة الماضية ، فقد استحوذت قضية الفقر على اهتماماً كبير من قبل المجتمع الدولي ، إذ تبنت الأمم المتحدة في سبتمبر من عام 2000 إعلاناً يتضمن الأهداف الإنمائية للألفية وينص على تحقيق هذه الأهداف بحلول عام 2015 . وهي ثمانية أهداف يأتي في مقدمتها القضاء على الفقر المدقع والجوع ، بحيث يتم تخفيض نسبة الفقر والذين يعانون من الجوع في العالم إلى النصف .
ومنذ ذلك التاريخ بذلت جهود حثيثه لتحقيق تلك الأهداف . واليوم ، أي في منتصف الطريق من الموعد المحدد لتحقيق الأهداف فإن النتائج تعكس تبايناً في مدى التقدم المحرز في المناطق المختلفة وبين الدول في ذات المنطقة ، إلا أن الصورة العامة تشير إلى عدم كفاية الجهود الحالية .
وبعد هذه الملاحظة الموجزة أنتقل الآن إلى موضوع نقاشنا لأطرح
السؤال : كيف يمكن للاستثمار أن يساعد في الجهود المبذولة لمواجهة مشكلة الفقر .
2- الاستثمار
إن التعقيدات المتعلقة بقضية الفقر والأسباب والنتائج التي تستند إليها وترابط تأثيرات الأنشطة المتعلقة بتخفيض الفقر تستدعي القيام باستثمارات في قطاعات مختلفة كالتعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والزراعة ، فضلاً عن بناء القدرات وتمكين الفقراء من خلال تزويدهم بالأصول المنتجة ، بما في ذلك التكنولوجيا المناسبة .
أخذاً في الاعتبار الموارد المالية المحدودة في الدول النامية ، فقد إتجهت تلك الدول إلى استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، فضلاً عن مساعدات التنمية الرسمية التي تتلقاها ، وذلك حسبما يتضح من السياسات الإقتصادية التي تنتهجها تلك الدول لخلق بيئة محلية مؤاتيه لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بهدف الارتقاء بالنمو الاقتصادي ، وبالتالي تخفيف حدة الفقر .
ومع أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة يمكن لها أن تساعد في تخفيف وطأة الفقر في ظل أوضاع وسياسات معينة ، إلا أن التقدم المحرز في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية يشير إلى الحاجة الماسة لمزيد من الموارد الميسرة لتمويل استثمارات في قطاعات كالزراعة والصحة والتعليم ، وخصوصاً لتوفير المياه الصالحة للشرب والخدمات الصحية الأساسية .
3- الاستثمار في الزراعة
شهد العالم في الفترة الأخيرة إرتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية نتيجة عوامل كتغير المناخ وحالة الطقس ، وزيادة الاستهلاك في بعض الدول النامية الكبيرة التي حققت مؤخراً معدلات نمو عالية ، ونقص إمدادات المواد الغذائية بسبب استخدام مزيد من الأراضي المتاحة للزراعة لإنتاج محاصيل للوقود الحيوي .
إن العجز في الإمدادات الغذائية المصحوب بارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة يشير إلى خطورة الآثار المترتبة عن ذلك على الجهود الدولية لتخفيض الفقر وما يتبع هذا العجز من مخاطر على الأمن الاجتماعي في الدول النامية المتأثرة ، وبصورة خاصة الدول ذات الدخل المنخفض ودول العجز الغذائي .
وإن مثل هذا الوضع الذي نشأ مؤخراً يستدعي تعديلاً في برامج التنمية بإيلاء قطاع الزراعة إهتماماً أكبر لتأمين محاصيل زراعية غذائية أساسية والحفاظ على مسيرة التقدم في إتجاه تخفيض الفقر . ويكتسب قطاع الزراعة أهمية خاصة نظراً لارتفاع نسبة السكان الذين يعملون في هذا القطاع في معظم الدول النامية وتركز الفقر في الريف . ويمكن للاستثمارات العامة والخاصة أن تتضافر في تنمية هذا القطاع سواء من خلال استصلاح الأراضي أو إدخال أساليب الزراعة الحديثة والميكنة .
4- الجهود الدولية
يتطلب تحقيق هدف تخفيض الفقر حشد جهود الشراكة الدولية من أجل التنمية ، بما في ذلك جهود الدول النامية والمتقدمة والدول المانحة ومؤسسات التنمية الوطنية والإقليمية والدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية .
وفي هذا الخصوص أود أن أشير إلى أن الكويت ومن خلال الصندوق الكويتي تقدم مساعداتها للدول العربية والدول النامية الأخرى للإسهام في تمويل استثماراتهم في قطاعات مختلفة كالزراعة والمياه والصرف الصحي والنقل والطاقة والإتصالات والتعليم والصحة ، فضلاً عن دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تنفذها بنوك التنمية الوطنية ، وكذلك عمليات الصناديق الإجتماعية بهدف خلق فرص عمل جديدة وتحسين مستويات الدخل من خلال الاستثمار في الأعمال والمشروعات الصغيرة . وقد استطاع الصندوق الكويتي حتى الآن تقديم المساعدة إلى 101 دولة نامية بالإسهام في تمويل 737 مشروعاً ، بقروض ميسرة بقيمة إجمالية بلغت حوالي 14 مليار دولار . ومعظم الدول المستفيدة هي من الفئة ذات الدخل المنخفض ، حيث تسهم المشروعات الممولة في تحفيز النمو
الاقتصادي ، ودعم القدرة على تخفيف وطأة الفقر وتحسين مستويات المعيشة .
وفي هذا الصدد ، أود أن أعبر عن تقديرنا لجهود البنك الإسلامي للتنمية ولمبادرته الهادفة إلى مساعدة دول أفريقيا جنوب الصحراء في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بالتركيز على قطاعات يأتي في مقدمتها قطاع الزراعة والأمن الغذائي ، وذلك من خلال إنشاء برنامج خاص لتنمية أفريقيا ، بمبلغ مستهدف بمقدار 12 مليار دولار لتمويل استثمارات وعمليات لتحقيق الأهداف المنشودة . وقد ساندت دولة الكويت هذه المبادرة بإسهامها في دعم موارد البرنامج المذكور .
5- خلاصة الملاحظات
هنالك تحديات كبيرة تواجه تحقيق الأهداف المنشودة للقضاء على الفقر المدقع والجوع ، إلا أن هناك أيضاً فرصاً للنجاح تتمثل في دعم وتقوية الشراكة العالمية القائمة ، من خلال الوفاء بالالتزامات التي تعهد بها كل شريك وبصورة خاصة توفير الموارد اللازمة للاستثمار في قطاعات قادرة على الإسهام في تخفيض الفقر وتوفير المستلزمات الضرورية والأساسية كإنتاج المحاصيل الغذائية وتوفير المياه الصالحة للشرب ووسائل الصرف الصحي ، بالإضافة إلى الاستثمار لتوفير الخدمات الصحية والتعليم ، ودعم المشروعات متناهية الصغر .
ويمكن لمثل هذه الاستثمارات في القطاعات المختلفة أن يتم تصميمها بحيث تشمل مساهمة القطاع العام ، والقطاع الخاص ، والجهات المانحة منفردين أو مجتمعين حسبما تقتضيه كل حالة على حده ، مع الحرص على انتفاع الفقراء بالدرجة الكافية من تلك الاستثمارات .
ولكي تلعب الاستثمارات دورها في تحفيز النمو الإقتصادي وبالتالي الإسهام في تخفيض الفقر ، فإن ذلك يتطلب بيئة محلية مواتيه للقيام بالأعمال ، وتتسم بالاستقرار الإقتصادي والسياسي ، مدعومة بكافة الإصلاحات الضرورية ، فضلاً عن بيئة خارجية مؤاتية تفسح المجال أمام دخول سلع الدول النامية إلى الأسواق العالمية .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته