- دعوني أشارككم هذه القصة من التراث.
بعثت شركة صناعة أحذية خبيرين تسويق الى بلد صحراوي نائي لدراسة احتمالات تسويق احذيتها في هذا المجتمع. وبعد مدة من الزمن بعث الخبير الأول برقية إلى مقر الشركة يقول فيها:
"الناس هنا لا يلبسون الأحذية ،،، وجودنا مضيعة للوقت والمال" بينما بحث الخبير الثاني برقيته التي يقول فيها: "الناس هنا لا يلبسون الأحذية ... لذلك لدينا فرصة كبيره لتسويق أحذيتنا"
- السادة الحضور ، نحن أتينا من بلاد بعيده ومن عادات مختلفة عنكم، والعبرة من هذه القصة هي أن الإختلاف بين الشعوب يخلق فرصه مهمه للتكامل والتعارف والإزدهار.
- لقد دعيت هذا اليوم لأتحدث عن العلاقات الإقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهورية كوريا الصديقة، ولكن لكي نفهم الأسس التي بنيت عليها هذه العلاقات وان نستشرف مستقبلها، يجب أن نتوقف قليلا وننظر الى التعاون الخليجي الكوري في سياقه التاريخي وفي إطاره السياسي.
- نادرا تجد في العلاقات الدولية مجموعة من الدول المختلفة تتفق بشكل مطلق على عدم وجود أي مشكله بينها مجتمعة وبين دولة أجنبية. وهنا أنا أتحدث عن مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي الست وجمهورية كوريا.
- فموقف كوريا من قضايا الشرق الأوسط يحمل الكثير من التقدير والإحترام في دول مجلس التعاون. فالسياسة الخارجية الكورية تجاه القضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط، وتجاه إيران وبرنامجها النووي والعراق والإرهاب، وسوريا والحرب الأهلية هناك تمثل سياسة حكيمة تجاه هذه الأحداث وتتوافق مع الرؤية الخليجية في كيفية التعامل مع هذه الملفات الشائكة.
- ويبرز الموقف الكوري المبدئي من خلال وقوفها القوي مع دول مجلس التعاون في التصدي للعدوان العراقي على دولة الكويت في عام 1990. حيث كانت كوريا من أوائل الدول التي أدانت هذا العدوان وأيدت جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
- وبدورها تؤيد دول مجلس التعاون موقف جمهورية كوريا الصديقة في قضاياها وبخاصه علاقتها مع جارتها كوريا الشمالية والأزمة النووية، حيث تدعم دول مجلس التعاون الجهود الداعية الى العودة مجددا إلى طاولة المحادثات السياسية لنزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية وإقامة نظام سلام دائم فيها.
الساده الحضور:
-نحن حقا لدينا قصة جميلة ونموذج فعال في التعاون الإقتصادي والسياسي بين مجلس التعاون وكوريا. فقد انعكس التوافق السياسي بين الطرفين بشكل مباشر على العلاقات الاقتصادية.
- حيث شهدت علاقتنا الثنائية تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، وتنامي التبادل التجاري بين الجانبين إلى درجه أصبحت فيه دول مجلس التعاون ثاني أكبر شريك تجاري مع كوريا بعد الصين. إذ تضاعف حجم التبادل التجاري بين الجانبين الخليجي والكوري من نحو 24 مليار دولار في عام 2001 الى أكثر من 120 مليار دولار في عام 2013 .
- ولم تكن هذه العلاقة التجارية محصورة في مجال الطاقة والسلع فقط، بل شمل أيضا جميع أنواع الخدمات التي يقدمها بلد معجزه نهر الهان. فقد لعب الإقتصاد الكوري دوراً مهماً في تنويع الهياكل الإقتصادية الخليجية وخاصة في مجال الطاقة المتجددة والتعليم والتدريب والبيئة والرعاية الصحية والاتصالات وتكنلوجيا المعلومات.
- وعلى الرغم من تقارب حجم الإقتصاد الكوري 1.2 مليار دولار وعدد سكانه 49 مليون نسمه من حجم الإقتصاد الخليجي 1.6 مليار دولار وعدد سكانه 42 مليون نسمه ، إلا أن أسس و فرص التعاون والتكامل الإقتصادي بين الجانبين شهد تطور غير مسبوق في السنوات الاخيرة .
- ولعل أبرز التطورات في هذه العلاقة التكاملية بين الجانبين هي:
-1 بناء 4 مفاعلات لتوليد الطاقة النووية في الإمارات العربية المتحدة بكلفة تقارب 20 مليار دولار بمشاركة شركة الطاقة الكهربائية في كوريا "كيبكو" وهيونداي للهندسة والبناء ومؤسسة سامسونج ودوسان للصناعات الثقيلة .
-2 إنشاء منشآت تكرير النفط وتوسيع سعة الإنتاج في المجمع الصناعي في صحار في سلطنة عمان الذي كسبه ائتلاف بقيادة شركة دايليم للصناعة الكورية بقيمة إجمالية تبلغ 2.7 مليار دولار.
-3 أبرمت جمهورية كوريا والمملكة العربية السعودية ، مذكرتي تفاهم تنفيذية ، لتدريب الأطباء وتطبيق تقنيات المعلومات الصحية ، حيث من المقرر أن يتم تصدير النظام الكوري الخاص بتقنيات المعلومات الصحية إلى عيادات ومستشفيات عامة بالمملكة العربية السعودية بقيمة مليار دولار.
4-هنالك تعاون بين جهاز قطر للإستثمار مع الجانب الكوري في مشروع ضخم وهو بناء مدينة ذكية Smart City في دولة قطر.
- أما فيما يخص العلاقات الإقتصادية بين بلدي الكويت وكوريا فأستطيع أن أقول إنها ممتازة وفي تطور مستمر. فتعتبر كوريا أكبر شريك تجاري للكويت وتمثل المركز الأول في صادرات الكويت النفطية للخارج. كما أن واردات الكويت من كوريا قفزت بنسبه كبيره جداً %70 بين عامي 2013 و2014 نتيجة ضخامة برامج التنمية في الكويت من جهة، وجودة المنتج الكوري من جهة أخرى.
- و انني اشكر سفارة دولة الكويت في سيول لتزويدي بمعلومات مهمه عن تطور العلاقات الإقتصادية بين الكويت وكوريا في السنوات الأربع الاخيرة مثل:
-1 مشروع بناء منشآت للطاقة والبترول في دولة الكويت للحفاظ على الضغط في آبار النفط في حقل برقان البترولي، تقوم به شركة GS للهندسة والبترول وهي ثالث أكبر شركة للإنشاءات بقيمة 742 مليون دولار.
-2 في 2013 قامت شركة هيونداي للهندسة والإنشاءات الشركة الرائدة للبناء في كوريا بوضع حجر الأساس لمشروع تشييد ميناء حاويات يحتوي على 60 مرفأ في ميناء مبارك في جزيرة بوبيان بقيمة 1.13 مليار دولار ، حيث يستغرق بناء المشروع أربع سنوات والتي تمثل المرحلة الأولى للمشروع . كما تقوم بإنشاء أحد أطول الجسور البحرية في العالم، جسر جابر، بمبلغ تجاوز 2.5 مليار دولار.
3-في عام 2014، حصلت 5 شركات كورية سامسونغ، دايو، هيونداي، SK، GS ضمن إتحاد كونسرتيوم مع شركات أخرى على مشروع طرحته شركة البترول الوطنية الكويتية لتطوير أنظمة صديقة للبيئة في منشآت بميناء الأحمدي وميناء عبدالله بالإضافة إلى توسيع سعة مصنع تكرير النفط والبتروكيماويات في دولة الكويت وتبلغ قيمة المشروع 12 مليار دولار.
- من جهة أخرى ، تشهد دول مجلس التعاون حراك تنموي وتعميري واسع، بفضل عائداتها الضخمة من إرتفاع أسعار النفط. ويتزامن هذا مع بروز منحى لدى صانع القرار الخليجي بضرورة استغلال هذا الوضع ، الذي قد لا يتكرر ، في إيجاد قنوات جديدة لاستثمار الفائض من عائدات النفط في مشروعات تنموية حقيقية توفر فرص العمل للشباب الخليجي، وتساعد على نقل التكنولوجيا وتطوير الثروة البشرية. ومثال على ذلك قامت الكويت مؤخراً بتخصيص 100 مليار دولار لتطوير القطاع النفطي فقط خلال الخمس سنوات القادمة. ومن هنا تتعاظم فرص التعاون الاستثماري بين دول مجلس التعاون و كوريا.
- وهو ما يعني ضرورة إيجاد صيغة متطورة من التعاون الاقتصادي بين الطرفين، بما في ذلك الاتفاق على تحالفات ومشاركات استثمارية توطن بها الخبرة الكورية في دول مجلس التعاون بمشاريع صناعية من تلك التي برعت بها جمهورية كوريا كدولة متفوقة أو منافسة للدول الصناعية ، سواء بالمشاركة مع الجانب الخليجي أو بأي صيغة تكون مقبولة من الطرفين، ولا سيما ان الموارد المالية والأنظمة والتسهيلات والقوانين في دول مجلس التعاون تبشر بنجاح مثل هذا التوجه لو أمكن تنفيذه، سواء بالشراكة المقتصرة على القطاع الخاص، أو بمساهمة الحكومات بحصص في ذلك ، فدول مجلس التعاون تتمتع بوضع مالي وقدرات إقتصادية جيدة ، ولديها أكبر احتياطي من النفط والغاز الطبيعي في العالم .
- ومن الضروري ان نعمل حالا على صياغة برنامج ابتعاث للطلبة الخليجيين للتدريب على العمل في المصانع الكورية لنقل نماذج ناجحة من التنمية البشرية في جمهورية كوريا.
- وأخيرا، ليس بالخبز وحده يحي البشر. فغذاء الروح له نفس أهمية غذاء الجسد، والمصدر الأساسي لغذاء الروح هو الثقافة والمعرفة والأدب، وهذا يأتي من خلال التواصل والتعامل البشري المباشر وتبادل الخبرات.
- فنحن نلاحظ بسعادة تزايد اعداد الزوار والمقيمين الكوريين في دول مجلس التعاون، ولكننا أكثر سعادة بمشاهدة الزيادة الكبيرة في اعداد الطلبة الخليجيين في جمهورية كوريا. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد الطلبة السعوديين في كوريا في العام الماضي 800 طالب منهم 200 طالبه و200 طالب من الامارات العربية المتحدة. وبناء على ذلك تم فتح ملحقية ثقافية سعودية لتكون بذلك اول ملحقيه ثقافيه عربية واسلامية في جمهورية كوريا.
الحضور الكريم
نحن اليوم على اعتاب حقبه جديده وفرصه ذهبيه لدفع التعاون الخليجي - الكوري الى افاق جديدة تتجاوز الاطر التقليدية شكلاً وموضوعاً و مدى ونتطلع إلى الجولة التاريخية التي ستقوم بها فخامة الرئيسة بارك كون هيه لدول مجلس التعاون الخليجي والتي نؤكد على أنها ستشكل حجر زاوية للعلاقات المستقبلة بين الطرفين وتستكمل مسيرة التكامل والتعاون للعلاقات التاريخية المتميزة التي تربط الجانبين. حيث أن دول مجلس التعاون مقبلة على مستقبل مزدهر على كافة الأصعدة تتوفر فيه عناصر التنمية الحقيقة المطلوبة وهي الإستقرار السياسي والموارد المالية وعليه فنحن نتطلع لدور كوري مؤثر وفعال مستقبلي يعمل يدا بيد مع دول الخليج لتحقيق التنمية والإزدهار المطلوبين في المنطقة.
فقد نكون نحمل اسماء غريبه على مسامع اصدقائنا الكوريين، ولباسنا غريب عليكم، واشكالنا مختلفة عنكم. ولكن ثقوا بأننا نحن أهل الخليج نحمل لكم تقدير خاص واحترام كبير ونردد معا المقولة الكورية "لنسير معا".
حفظ الله دول مجلس التعاون وجمهورية كوريا.
والسلام ،،،