د. محمد صباح السالم الصباح

تخطي الفجوات

 

24 فبراير 2010 - لندن

 

بالالتزام بالتقليد العربي القديم في سرد القصص، دعوني أبدأ تعليقاتي بالقصة، لن تكون مثيرة مثل ألف ليلة وليلة، لكنها ستكفي.
القصة تتحدث عن شركة أحذية قررت استكشاف فرص السوق في بلد صغير نائي في وسط الصحراء، فأرسلوا وكيلي تسويق إلى هذا البلد لقضاء أسبوع، وقام الوكيل الأول بإرسال رسالة إلى الوطن يقول فيها: "الناس هنا يمشون حافيين القدمين، لذا لنضيع وقتنا ومواردنا". بينما كتب الوكيل الآخر: "الناس هنا يمشون حافيين القدمين، هناك سوق هائلة للأحذية!"

تحكي هذه القصة في الواقع كيف بدأت العلاقات الكويتية البريطانية. بالطبع في منتصف القرن الثامن عشر استخدم البريطانيون ميناء الكويت لنقل البريد من المملكة المتحدة إلى الهند وسفن الكويت لتجنب السفن العدائية في المحيط الهندي.
ومع ذلك، تم إقامة الاتصال الفعلي بواسطة السير لويس بيلي، السكن السياسي البريطاني في الخليج، قبل مائة وخمسين عامًا تقريبًا. في زيارته عام 1865 التقى بحاكم الكويت صباح بن جابر حيث وصف الكويت قائلاً: "هكذا يمكن لمجموعة من القبائل الأصلية أن تنشئ بلدًا مستقرًا وآمنًا تحت الرعاية الداعمة لمتعاقبة من الحكام العاقلين وبوسائل سياسية نشأت بحكمة وتتبعت بنظام، أن تتم ترقية قبيلة عربية لتصبح سادة ميناء مزدهر الذي كان ملجأً للمظلومين والوطن السلمي للجميع. أعترف، نظرت حولي بشيء من الدهشة تجاه العثور على هيكل سياسي وتجاري من هذا النوع في منطقة من هذا النوع وبواسطة هذه الأيدي".

كانت هذه اللقاء هي بداية علاقة كويتية بريطانية. وقد فتح هذا الطريق أمام المعروف الشهير لعام 1899 بين مبارك من الكويت والملكة فيكتوريا من بريطانيا العظمى. وبقية ما يقوله المؤرخون فهو تاريخ.
إذا سُئلني أن أحدد دور الكويت في جملة واحدة، فسأقول إن الكويت هي في فجوات الجسور التجارية، عمل يتجاوز الزمن والمكان.
الفجوات الثلاث: الشرق والغرب، الغني والفقير، والحاضر والمستقبل.

1- الشرق مقابل الغرب

منذ استقلالها في عام 1961، قررت الكويت بقوة اعتماد الحياد الإيجابي في الانقسام العقائدي بين الشرق والغرب، كانت الكويت أول دولة خليجية تقيم علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي في أوائل الستينيات؛ كما لعبت دورًا بناءً جدًا في الحوار الشمالي - الجنوبي المعروف أيضًا باسم لجنة براندت.

ومع ذلك، مع سقوط جدار برلين وانهيار العالم ثنائي القطبية، لم تفقد الكويت اتجاهها. في الواقع، أعادت الكويت ضبط إحداثيات سياستها الخارجية لتكون مرسومة بشكل جيد في مرفأ آمن من القانون الدولي والشرعية.
ومن المؤكد، أن العدوان العراقي على الكوي

ت شجّع التزامنا الكلي والمطلق بقواعد القانون وسلوك المواطنية العالمية.

من سهول كوسوفو وناغورنو-كاراباخ وأبخازيا، إلى الرمال السريعة الخطورة لعملية السلام في الشرق الأوسط وملف النووي الإيراني، اتخذت الكويت موقفًا واثقًا وآمنًا للغاية، متأصلاً بشكل جيد في ملاذ الشرعية الدولية.

بالنسبة لعملية السلام في الشرق الأوسط على سبيل المثال، اعتنقنا بكل قلوبنا مبادرة السلام العربية وخريطة الطريق الربعية، بينما تواصل إسرائيل عدوانها وتحديها للقانون الدولي. ندين بشدة سياسة استيلاء إسرائيل على الأراضي، وأنشطة الاستيطان غير الشرعية والأسوأ من ذلك كله اغتيال الآخرين ليس فقط الأفراد ولكن أيضًا اغتيال التراث التاريخي والثقافي للشعب الفلسطيني كما يظهر في قضية الخليل.

أما بالنسبة لإيران، فندعم بشدة حقها في التكنولوجيا النووية السلمية. في الوقت نفسه، نشجع بشدة إيران على الامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن وأن تكون شفافة تمامًا وتتعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

فمن في مصلحتنا تجنب العقوبات ضد إيران ومن في مصلحة إيران بالمثل إيصال رسالة تطمين ونوايا سلمية إلى العالم بأسره.

2- الغني مقابل الفقير

واحدة من أكثر الاستراتيجيات الأساسية والجوهرية للكويت بعد الاستقلال هي أن تكون مواطنًا عالميًا. وأكثر الطرق فعالية لدعم هذه الاستراتيجية كانت بإنشاء صندوق الكويت في ديسمبر 1961، فقط ستة أشهر بعد استقلالنا.

أراد الأمير آنذاك، عبد الله، إرسال رسالة من الشعب الكويتي إلى بقية العالم: 'ها نحن هنا ننطلق على مد الأفق، ولكننا لن ننسى أصدقائنا المحتاجين'.

علاوة على ذلك، كتب روبرت ماكنامارا، رئيس البنك الدولي في عام 1968: "عندما تأسس صندوق الكويت لأول مرة في عام 1961، كان بدون سابقة. هنا كانت الكويت، دولة صغيرة، حتى وقت قريب من بين أفقر الأماكن على الأرض، تأسيس صندوق تنمية في سنة استقلالها السياسي. وفي حين أنها ترحب بثروتها الجديدة، كانت تعلن استعدادها لمشاركة ثروتها المستقبلية مع جيرانها العرب".

بعد نصف قرن وبفضل الدعم الحقيقي من أمراء الكويت المتعاقبين والشعب الكويتي، قدم صندوق الكويت خدماته لأكثر من مئة دولة حول العالم مما جعله أكبر مؤسسة مساعدة تنموية بعد البنك الدولي. حقيقة أسهمت في جعل الكويت واحدة من أكثر الدول سخاءً في العالم وبالتأكيد واحدة من أكثر اللاعبين نشاطًا في مجال التنمية ومحاربة الجوع والفقر والتخلف.

3- الحاضر مقابل المستقبل

ومنذ الاعتراف بأن ثروة الكويت متركزة بشكل كبير في شكل لا يمكن استنفاذه، قرر حاكم الكويت عبد الله في بدايات الخمسينيات تنويع

 محفظة ثروات الكويت لصالح الثروة المالية. لذا، أنشأ أول صندوق ثروة سيادي في العالم في منتصف الخمسينيات والمسمى "مكتب الاستثمار الكويتي" (K.I.O).

في عام 1976، وقع صباح على قانون إنشاء صندوق للأجيال المستقبلية يضم كل عمليات مكتب الاستثمار الكويتي.

هذه الفكرة الثورية لفرض ضريبة على الجيل الحالي لصالح أحفادهم الذين لم يولدوا بعد هي شهادة على بعد النظر لقادة الكويت وخاصة جابر.

الفكرة هي توليد موارد مالية كافية لتمكين الأجيال القادمة بعد النفط من خلق اقتصاد قائم ومستدام.
للمساعدة في تسهيل هذا التحول الهيكلي الطويل الأمد لاقتصادنا، بدأت الكويت للتو في خطة تنموية طموحة جدًا وهي فكرة حاكم الكويت الحالي صباح. نحن نخطط لإنفاق 85 مليار جنيه خلال الأربع سنوات القادمة.

هنا أود أن أوجه دعوة لأصدقائنا البريطانيين للمشاركة في مشاريعنا التنموية.

أعلم أنه لتستثمر في الخارج، يحتاج المستثمر إلى ثلاث شروط أساسية :-
1- النزاهة، الاستقرار وشفافية الهيكل القضائي والقانوني.
2- قدرة الحكومة المضيفة على تلبية التزاماتها المالية.
3- الضيافة الاجتماعية والثقافية والتسامح للمستثمرين الأجانب.

بالنسبة للمتطلب الأول: أثبتت الشريعة الكويتية صلابتها وفعاليتها في توزيع العدل والنزاهة.
أما بالنسبة للمتطلب الثاني، فأعتقد أن سجل الكويت كمستثمر عالمي وشريك تجاري يتحدث عن نفسه.
أما بالنسبة للمتطلب الثالث، نعم قد نرتدي ملابس مختلفة، ونتحدث لغات مختلفة، ولدينا حتى طقس مختلف بشكل أساسي، ومع ذلك يمكنك أن تكون على يقين تام بأن بريطانيا يمكنها دائمًا الاعتماد على الكويت كحليف موثوق به وجدير بالثقة.

بارك الله في الكويت وبارك الله في المملكة المتحدة.

اتصل بنا

للتواصل معنا، يرجى ملء النموذج التالي
© جميع الحقوق محفوظة